دراسات إسلامية

 

الإعلام الإسلامي .. ثباتُه وثباتُ مصدره

 (2/2)

 

بقلم : الأستاذ محمد خير رمضان يوسف

  

 

  

 

 

خامسًا :

       ذكرنا في الفقرة السابقة أن الإسلام دين يسر. لامشقة فيه ولاحرج .

       ويتفرع من هذا أيضًا أن لاغلو في الإِسلام . قال تعالى ﴿قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَتَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾(15). وفي هذا النهي اعتبار للمسلمين؛ لأنهم أولى بالانتهاء عن الغلو، فدينهم دين الرحمة. وقد أباح الإِسلام الطيبات بدون إسراف، وأباح الزينة دون كبرياء. قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِه وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلذِيْنَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدِّنْيَا خَالِصَةً يَّومَ الْقِيَامَةِ..﴾(16) ﴿يَابَنِي آدَم خُذُوا زِيْنَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّه لاَيُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(17).

       والمطلوب من الدعاة أن يسيروا في هذا الطريق الوسط . دون إفراط ولاتفريط ، وأن يكون إعلامهم مسخرًا لبيان منهج الإسلام عن علم راسخ ووعي حضاري ومعالجة موضوعية للمشكلات المعترضة، وردود علمية على الشبهات . وذلك لتنصب جهودهم في منبع واحد تُفْصِح للصديق والعدو أن الإِسلام ثابت ودعوته ثابتة . وأن مايرد من شبهات ومزاعم تشكيكية من هنا وهناك إنما تتحطم على صخرة الإِسلام الصلبة .

       إن المحاولات الأثيمة التي ينتهجها بعض الملحدين والمرتزقة من أنصارهم في إثارة الشبهات ومحاربة الإسلام، إنما تأتي لزعزعة الإيمان عند المسلمين وللنيل من عقيدتهم الصحيحة السليمة. وباختصار ليقولوا للنشء المسلم إن الدين الإسلامي ليس ثابتًا وخالدًا وصالحًا للناس جميعًا وفي أي وقت ومكان . وإنما هو قديم . مضى مع من اعتقد به من الأموات .

       وعلى هذا يلحظ أن جل تركيزهم يكون حول مصدَرَي التشريع الأساسيين : القرآن والسنة. لزعزعة ماهو ثابت بالضرورة؛ ولكن هيهات .

       وقد يكون من المناسب هنا أن نورد بعض الأمثلة التي يشوش بها الأعداء على المسلمين ليخدعوا بها العامة .. وهو ما يجب تنبيه الإعلاميين المسلمين إليه ، وتحذيرهم من هذا الغزو الفكري الوافد ، الذي ينظر إلى الأمور ويفسرها تفسيرًا ماديًا. وعندما ينقد الدين – من هذا المصدر – يكون في الأغلب موجهًا إلى الكنيسة وعقائد النصارى ودينهم المنحرف .. ومادام أنه لايعين الدين فيدخل فيه الإسلام .. وهذا ما يريده الملحدون.

       وقد فهم الكثيرين الرعاع أن المقصود به هو الإسلام وحده – ولو أنه لاينطبق عليه – وحتى الآن هناك من ينطلي عليه – من بين المسلمين ولو أنه متعلم أو مثقف ! – النقد الوافد ، بل حتى من الداخل في كثير من الأحيان ، وعدم التفرقة بين الإسلام والأديان الأخرى .

       وعلينا أن نثبت هنا أن الذي كان ينفخ في هذا الرماد هم الشيوعيون والاشتراكيون والعلمانيون .. وقد صار معروفًا عند كثير من الناس أن المقصود بالقرون الوسطى: القرون المظلمة، الخالية من الإبداع، والعلم والمدنية، والعدالة. والحقيقة – كما هو معروف – أن ذلك كان بالنسبة لأوروبا والنصرانية. أما تلك العقود في بلاد المسلمين ، فكانت حضارة وعلمًا وتقدمًا وعدلاً .

       وصارت كلمة رجل الدين تُطَلق على علماء المسلمين أيضًا، على الرغم من أن هذا الاصطلاح خاص باليهودية والنصرانية – الذين اتخذوا من أحبارهم أربابًا من دون الله – وابتُليَ بهذا أكثرُ الكتاب في بلاد الإسلام ، ناهيك عن العامة .

       وأكبر من هذا : القول بالتناقض بين الدين والعلم. وقد أشبع هذا المجال بحثًا.. والمهم أن أشير إلى أن الكثير من المسلمين ظن أن الدين لايوافق الأمور العلمية أو التعليمية الجديدة .. بينما المعروف أن الحرب الضروس كانت بين العلم والكنيسة . فقد أعدمت الكنيسة العلماء ومنعتهم من مجالاتهم العلمية .. بينما الذي نعرفه عن الإسلام أنه دين العلم ، وبيّن الله المنزلةَ الكريمةَ للعلماء ، وحصر خشيته فيهم لإجلال قدرهم .. ونزلت أول آية باِقْرَأ . وتقدم المسلمون إلى أرقى المستويات العلمية، والدليل ماينطق به تاريخنا الإسلامي، وماشهدت به الأعداء.. وتعترف أوروبا أنها مدينة للمسلمين في مدنيتها الحديثة هذه .

       وقد وضح العلماء أن الدين لايناقض الحقائق العلمية ، والعكس صحيح . وهناك فرق بين الحقائق والنظريات .

       وأكبر من هذا كله القول بفصل الدين عن الدولة .

       وهذا أيضًا أشبع بحثًا، وفصله العلماء. والمهم أن الثورة الصناعية التي حدثت في فرنسا كانت حربًا على الدين كله . وانتهت أوروبا كلها إلى فصل الدين عن الدولة .. لكنها بقيت تستغله في الخفاء ، وتستخدمه للتنصير . استمرارًا لفكرة الاستعمار !

       أما الإسلام فلا يقاس على الكنيسة . فقوة المسلمين بالإسلام، وانتصارهم بقوة عقيدتهم، والترامهم بنظامه وتطبيقه في سلوكهم ومعاملاتهم. ولايقبل الله من المسلم أن يقبل بعض الإسلام ويرفض بعضه ؛ بل المطلوب أن يُجعل حكمًا مباشرًا في جميع القضايا .

       ومما يؤسَف له ويُحسر عليه أن من «العلماء» من تحمس لهذا – وهم قلة – ثم رجعوا عنه ، تأثرهم بأفكار المستشرقين والشيوعيين . فما بالنا بالعامة ، وأذيال الشرق والغرب . وأنصاف المثقفين. الذين يشكلون قوة كبرى لتأييد هذه المزاعم ومساندة الضلال، والجري وراء النظريات والمذاهب السياسية والاقتصادية – الوضعية المختلفة؟! ووضع الإسلام «على الرف» أو جعله في زاوية مسجد دون تأثير في مجريات الحياة؟! وكانت النتيجة مفجعة مفزعة . فجعل العالم الإسلامي فصل الدين عن الدولة .

       ومن الخطورة بمكان أن نسجل أن عبئًا كبيرًا يقع على عاتق الدعاة والإعلاميين المسلمين في بيان هذه الحقائق وتوصيلها إلى بيوتات المسلمين . مثقفيهم وعاميهم . كبيرهم وصغيرهم. فإن الغزو الفكري وشياطين الإنس لايكفون عن الإغواء والتضليل . ونرى أن أهل الباطل يسعون ويجتهدون أكثر من أهل الحق . فلاحول ولاقوة إلا بالله .

سادسًا :

       قلة التكاليف في الشريعة الإسلامية وبساطتها وسهولة فهمها وتنفيذها .

       فقد كان الأعرابي يجيء إلى المدينة ، ويتعلم الإسلام من الرسول في كلمات وفي مجلس واحد . وهذه البساطة والسهولة في عقيدة الإسلام والتكاليف التي أمر الله بها ، كانت وما تزال أعظم أسباب قبول الناس للدعوة وإقبالهم على الدين الحنيف، فلا توجد فلسفة عقيمة مثل التي يتشدق بها الفلاسفة المثاليون أو الماديون، فيتنطعون حتى يند بهم الحق والعدل ، فيَضلّون ويُضلّون .

       ولايحتاج الداعية إلى كبير عناء ليبين للناس صحة العقيدة الإسلامية وسلامة قواعدها التشريعية، فهي موافقة للفطرة ، وتقبلها النفس السليمة وتسلم بها العقول الصحيحة . بينما نرى الجهود الكبيرة التي يبدلها المُنصِّرُون ليقنعوا متلقيهم بعقيدة التثليث التي لاتجد قبولاً إلا «بمنشطات» أو «مساعدات» مالية وصحية وغذائية، كما هو الحال في إفريقيا؛ إذ إن إقبال الناس على النصرانية هو من أجل لقمة العيش والتمتع ببعض مايتمتع به البشر في العالم، ولدفع الجوع القاتل. وما هذه الخدمات الاجتماعية التي نراها تقدمها لهم إلا شباك .. حتى إذا وقعت فيها الفريسة .. أجهز عليها المنصِّرون بالأفكار والعقائد المنحرفة . وقد اعترف بعض المنصِّرين أن أكبر عائق يقف أمامهم هو الإقناع بعقيدة التثليث!!

       ومن التكاليف في الإسلام ماينقسم إلى عزائم ورخص «وكان ابن عباس رضي الله عنهما يرجح جانب الرخص، وابن عمر رضي الله عنهما يرجح جانب العزائم .. والناس بعد ذلك درجات في التفسير والتقصير والاعتدال. فالإسلام دين يوافق البدوي الساذج والفيلسوف الحكيم ومابينهما من طبقات الناس. قال تعالى: ﴿ثـُمَّ أَوْرَثـْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَينَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِه وَمِنْهُمُ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾(18). ونصوص القرآن وهدي السنة النبوية المطهرة مراعي فيها درجات تفاوت البشر في العقل والفهم وعلو الهمة وضعفها(19).

       وما أود التذكير به هنا هو أن الإسلام بوضوحه وسهولته قد سهل أمام الدعاة الطريق، وذلل العقبات، ولن يجدوا عناء كبيرًا ليبينوا وجه الحق، ويستنتجوا منه مقوِّمات الحق والثبات . ومن ثم يبينوا زيف الباطل وضلال السبل الأخرى.

       وليس المطلوب من الداعية أو الإعلامي التشدد والتعقيد والتنفير.. فهذا ليس من سماحة الإسلام في شيء؛ بل هو معاكس للمنهج الصحيح الذي يأمر به رسول الله بقوله: «بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلاَتُعَسِّرُوا» (20).

       وعلى الدعاة أن يكونوا رحماء بأنفسهم، وبالمدعوين من جميع الطوائف، مادام أن رسول الله كان كذلك، وكان الرحمة المهداة .

سابعًا :

       ومن القواعد الثابتة في الإسلام «معاملة الناس بظواهرهم وجعل البواطن موكولة إلى الله سبحانه، فليس لأحد من الحكام ولا الرؤساء الرسميين ولا لخليفة المسلمين نفسه أن يعاقب أحدًا ولا أن يحاسبه على ما يعتقد أو يضمر في قلبه، وإنما العقوبات في الإسلام على المخالفات العملية للأحكام العامة المتعلقة بحقوق الناس ومصالحهم(21).

       وتحت ظل هذه القاعدة – في نظري – يستطيع الكافر والملحد أن يعيش في المجتمع الإسلامي ولايلحقه أذى مادام أنه لايعلن إلحاده ولاينتصر لفكرته ولايدعو الناس إلى مبادئة . ولايشكك المسلمين في عقيدتهم .

       ومادام المجتمع لايخلو من المنافقين، أي الذين يكفرون بالله وهم يظهرون الإيمان به؛ فإن على الدولة أن تأخذ التدابير الواقية لتحصين أفراد المجتمع منهم، والرد على أفكارهم في وقتها، وتفنيد مزاعمهم وعدم تمكينهم إعلاميًا من توصيل أفكارهم إلى فئات المجتمع، وملاحقتهم أينما كانوا..

       وفي القرآن الكريم أخبار وافرة في الحديث عن هؤلاء، ورد على مزاعمهم الواهية. وفي تلك الآيات خطط إعلامية محكمة لاتخاذها سلاحًا يشهر في وجوههم ..

       من ذلك حديث الإفك الذي تزعمه كبير المنافقين عبد الله بن أبي سلول .

       وقد افتتح القرآن هذه القصة بأسلوب في غاية الإعجاب والإبهار. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِيْنَ جَآؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَتَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُو خَيرٌ لِّكُمْ﴾(22).

       فهنا كلمة «إِفْكٍ» أي الكذب والبهت والافتراء. والبدء بهذه الكلمة قبل كل شيء يعني أن القصة كلها لا أساس لها من الصحة. وهكذا يجب أن يكون التفنيد حازمًا وقويًا ومبتوتًا فيه. وقوله تعالى «عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» أي جماعة من بين المسلمين . فهم يعيشون في المجتمع الإسلامي وليسوا غرباء عنه . «لاَتَحْسَبُوْهُ شَرًا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌلَكُمْ» بمعنى أن هذه القضية ينبغي ألا تكون سببًا لاهتزاز القلوب وتفشي الإشاعات المغرضة، فقد نزلت في أم المؤمنين آيات تبرئها مما اتُّهمَت به، وتُتْلى إلى يوم القيامة .

       ويوجه الإلٰه الكريم المؤمنين إلى ماكان ينبغي عليهم أن يفعلوه:

       ﴿لَولاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيرًا وَقَالُوا هذا إِفْكٌ مُّبِين﴾(23).

       أي: كان ينبغي أن يقيسوا ذلك الكلام على أنفسهم . فإن كان لايليق بهم ذلك فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه . وقال أيضًا :

       ﴿وَلَولاَ إِذْ سَمِعْتُمُوْه قُلْتُمْ مَايَكُونُ لَنَا أَنْ نَّتَكَلَّمَ بِهذَا سُبْحَانَكَ هذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾(24).

       وهذا درس ثابت دائم للمسلمين بألا يسايروا الملحدين ولايلتفتوا إلى إشاعاتهم ولا يعيروا انتباهًا لأراجيفهم ولايكثروا سوادهم، سواء أكان ذلك عن طريق الاتصالات الشخصية أو الوسائل الإعلامية المختلفة التي تُبَثُّ فيها أمثال هذه السموم كل يوم .

       ثم يبين عز وجل أن المساعدة في إشاعة الأخبار السيئة والأخبار المنكرة في المجتمع الإسلامي لها عقوبة شديدة :

       ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ..﴾(25).

       ويقول تعالى :

       ﴿يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثـْلِه أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾(26).

       فهذه نصيحة مباشرة .

       ويعلم القرآن الكريم المسلمين قاعدة عظيمة، وهي عدم اتباع الظن، وهل الأخبار التي تصلهم صحيحة أم لا .. مامصدرها .. وما الهدف من ورائها؟!

       وهنا يرد الله على المنافقين، ويعلم بهذا الرد المسلمين:

       ﴿لَوْلاَ جَآؤُوا عَلَيهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَآءِ فَأُلئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾(27).

       وفي بيان آخر يقول تعالى:

       ﴿إِذْ تَلَقُّونَه بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّالَيسَ لَكُمْ بِه عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَه هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾(28).

       أي أنه ترديد وتكرير للإشاعة بدون علم وبدون تثبيت. وأية إشاعة هي؟ إنها إشاعة خطيرة عظيمة ..

       ولنا في معركة أحد درس آخر مع المنافقين. ورد على شبهاتهم في القرآن الكريم.. فيها عِبَر ومبادئ إيمانية وإعلامية جليلة .. ليس هنا مكان الإسهاب فيها. ولكن الذي يُذكَّر به هنا أن القاعدة الثابتة في معاملة الناس على ظاهر مايفعلون يسري على الإعلام أيضًا.. فلايجوز جعل الوسائل الإعلامية منابر لتكفير البعض والتشهير بهم مادام أنه لم يثبت كفرهم وليس هناك نص صريح في القرآن والسنة يُعْلَمُ منه تكفيرهم ؛ بل تُعَاْلَجُ الأمور بالحكمة والموضوعية، وتوضع خطط مدروسة لمجابهة الشائعات، وتُعْقَدُ مجالس لرد الشبهات، ويجند دعاة لمجابهتها في مختلف الوسائل الإعلامية. وهذا ماينبغي حسابه مادامت الحياة هي الحياة.. ومادام أن هناك مسلمًا وكافرًا .. فأعداء الحق كثيرون، ولاتهدأ معاركهم مادام الشيطان ينفث فيهم أفكاره ويوسوس في صدورهم .

       ولنر ماختم الله به قصة الإفك !

       ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لاَتَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَنْ يَّتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّه يَأْمُرُ بِالفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ..﴾(29).

       إنه درس للمسلمين على طول الزمن.. بأنهم معرَّضون لمثل هذه المكائد من أعدائهم في العقيدة !

ثامنًا :

       ومن الأمور التي يطمئن إليها القلب، ويزداد بها إيمانًا ويقينًا. هو تضمن الإسلام أمورًا كلية تحفظ بها جميع شؤون الحياة . واحتواؤه على مصادر حية ثابتة وأركان معروفة :

       (أ) فالإسلام قائم على حفظ الكليات الخمس: الدين والعقل والنفس والمال والعرض. وهي مايحتاج إليها الإنسان في حياته كلها ليعيش آمنًا. وأي منا يرى في جانبه نقصًا إذا كان مُعَزَّزًا لا أحد يجرؤ على التعدي على مبدأ من مبادئ عقيدته أو الاستهزاء بها، وهو موفور العقل لايدع للعابثين يدًا تروّج للخمر أو المخدَّرات، وينام قرير العين، لايخش عدوًا يفجأه في بلده، أو لصًا يدخل بيته، أو فاسقًا فاجرًا يعتدي على عرضه وأهله؟!

       (ب) تميز الإسلام بمصادر معروفة لايتطرق إليها شك في انحراف عن الجادة أو ميل إلى مصلحة لجهة خاصة أو شخص معين .. وهي الكتاب والسنة ، ثم الاجتهاد الذي يدخل تحته الإجماع والقياس والاستحسان والمصلحة .. الخ. وهذا الإجتهاد دليل على عمومية الشريعة وصلاحيتها لكل البشر.. وهو مبدأ ثابت، فبابه مفتوح إلى يوم القيامة .. وهو يتجدد بتجدد الحوادث وحدوث المشكلات . حيث يبذل العلماء جهودهم في قياس الأمور على بعضها من أجل الوصول إلى حكم على أمر مستجد.

       (ج) ثم إن أركان الإسلام معروفة ومحفوظة، وهي القواعد الأساسية التي بُنِيَ عليها الإسلام، وهي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.. كما ورد في الحديث الصحيح . وقد ذكرت الأركان الأربعة الأخيرة لأهميتها وبيان أن لايكفي التلفظ بالشهادتين؛ بل يلزم العمل. بمقتضى هذه الشهادة.

       وامتثال المجتمع الإسلامي لأوامر الله وتطبيق العبادات الأساسية دليل صحة وقوة .. فهو يعني أن مراكز العبادة ووسائل الإعلام تسير في الوجهة السليمة، وتعطي ثمرة صالحة ومردودًا طيبًا بين الجماهير المسلمة.. ولأن هذه العبادات بالذات تعود بالفائدة إلى المجتمع نفسه، ففوائد الصلاة النفسية والاجتماعية معروفة، وكذلك فوائد الزكاة الاقتصادية والاجتماعية، وفوائد الصوام.. والحج ..

*  *  *

الهوامش :

 

(15)      سورة المائدة، الآية 77 .

(16)      سورة الأعراف، الآية 32.

(17)      سورة الأعراف، الآية 31.

(18)      سورة فاطر، الآية 32.

(19)      الإعلام في القرآن الكريم. عبد القادر حاتم، ص:140-141 .

(20)      رواه مسلم عن أبي موسى. كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير .

(21)      الإعلام في القرآن الكريم. عبد القادر حاتم، ص 141 .

(22)      سورة النور، الآية 11 .

(23)      سورة النور، الآية 12.

(24)      سورة النور، الآية 16.

(25)      سورة النور، الآية 19.

(26)      سورة النور، الآية 17.

(27)      سورة النور، الآية 13.

(28)      سورة النور، الآية 15.

(29)      سورة النور، الآية 21.

 

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال 1428هـ = سبتمبر – نوفمبر 2007م ، العـدد : 9–10 ، السنـة : 31.